تخطى إلى المحتوى
Home » مناقشة معمارية » الروشان في العمارة العربية

الروشان في العمارة العربية

  • بواسطة
الروشان في العمارة العربية

مقدمة

إذا نظرنا إلى الرواشين التقليدية، فإننا نجد أنها كانت خير وسيلة للاتصال والتفاعل الطبيعي الصحيح بين أفراد المسكن و بين المجتمع والبيئة الخارجية المحيطة، ولكن بالمقابل نجد أن الناس قد عزفوا عنها إلى توافد تكون مغطاة بالستائر، لا يستطيعون فتحها لأنها تكشف عوراتهم، وبذلك يفوهم خير كثير، ففي الوقت الحالي، فقدت نوافذ كثير من المنازل السكنية التحكم في دخول أشعة الشمس إلى المنزل، والتحكم في شدة الإضاءة مع التخلص من الوهج، وكذلك فقدت التحكم في اتجاه حركة الهواء وكميته داخل الغرفة، وذلك على عكس الرواشين التقليدية والتي تتيح ذلك كله . هذا بالإضافة طبعة إلى أن الرواشين تتيح للمرأة النظر إلى الخارج من خلال القلاليب بدون أن تری من الخارج، وذلك بخلاف النوافذ الحالية والتي تكشف الخصوصية لأنها لا تحتوي على أية كاسرات بسرية، وأصبحت النوافذ عبارة عن فتحة مستطيلة أو مربعة الشكل بها دفتان من الألمنيوم المزجج وبدون أية تفاصيل جميلة، في حين أن العنصر الأساسي الذي يميز سمة وهيئة المسكن هو في الغالب الفلاحات، وذلك على نقيض الرواشين والتي تكون متكاملة في الشكل والوظيفة مما يضفي على واجهة الممكن الجمال والرونق بدون الحاجة إلى التزييف والمبالغة في الكتل المحيطة بالنوافذ سعيا وراء التجميل غير الوظيفي،

وفي هذا البحث تم عرض العناصر التي يتكون منها الروشان التقليدي مع تحليل الإيجابيات التي كان يحققها والسلبيات التي طرأت عليه في العصر الحالي، مثل عدم إمكانية الغلق المحكم ضد الغيار والحشرات، والتكييف الصناعي، وكذلك ارتفاع تكلفته المادية، وطول الزمن اللازم لتنفيذه ما أدى إلى ترك الناس وهجرانهم له وخصوصا بعد قلة الأيدي الحرفية التي تتقن هذه الصنعة مع عدم دخول الرواشين في عالم التصنيع.

تعريف الروشان؟

الروشان في العمارة العربية | Wooden Windows in Arabic Architecture

ذكر في الكتب أن الرواشين هي جمع روشان وقد جاءت هذه الكلمة كتعريب للكلمة الفارسية روزن والتي تعني النافذة أو الشرفة. وتُستخدم للإشارة إلى الألواح الخشبية البارزة التي تُستخدم في تغطية نوافذ البيت والتي تحمل الفنون العربية الرائعة مثل فن الأرابيسك. وتستخدم الرواشين أيضًا لتبريد المياة، ولتلطيف الجو في المنزل، ولمنع وصول أسعة الشمس المباشرة إلى المنزل. كما يستخدم أيضا للحد من الغبار ولا يمكن الغبار والرمال من الدخول للمنزل. وكذلك الحشرات والذباب الطائر. كما تحمي أيضًا من الأمطار التي قد تؤذي البيت المصنوع بطريقة قد يُسبب لها المطر الشديد ضررًا.

استخدامات الروشان

يعتبر الروشان من ناحية الاستخدام نافذة إلى العالم الخارجي، وستارة مد أشعة الشمس المتوهجة، وجزءا مكملا لنظام التهوية في المنزل، وقطعة من الأثاث، وفي بعض الأحيان امتدادا للغرفة فوق الشارع المقابل) . إن الروشان ومن الرؤية للخارج مع الحماية وعدم الكشف للداخل، وذلك باستخدام القلاليب . وبهذه الطريقة يضمن الروشان أيضا التحكم في زاوية النظر وشدة الإضاءة والوهج وحركة الهواء وسرعته , وفتحات الروشان مرنة جدة، حيث لكن فتحها بالكامل، أو غلق نصفها مع فتح القلاليب أو غلقها بالكامل، وهذه بعض الإيجابيات فقط .

ولكن تبقى هناك بعض السلبيات مثل نفاذ الغبار والحشرات وعدم الملاءمة للتكييف الصناعي الحديث إلى غير ذلك . لذلك كله كان لابد من التفكير في حل مناسب يحافظ على جمال الشكل، ولا يفقد الطابع المميز للروشان مع التخلص من المشاكل المذكورة .

تاريخ الروشان في العمارة العربية

اختلفت الأقوال في المصدر الأصلي لنشوء الروشان، ويرى البعض أن أهل الروشان من الهند، وأن أصل الكلمة هندي وهو : روشانده آن، ويعني مصدر الضوء أو الفتحات العلوية قرب السقف، وهذه الكلمة مكونة من كلمتين داروشاني، وتعني الضوء، والثاني و دان، وتعني معطي .

ولكن إذا رجعنا إلى اللغة العربية نجد أن أصل كلمة روشان عربي وموجود تحت أصل الكلمة ارشين، وتقول العرب الروش

أي الكوة؟، والگوة هي الحرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه .

كما وردت هذه الكلمة بنفس المعنى في كلام الفقهاء في القرن الخامس الهجري، ففي كتاب القسمة للسرخسي  وردت العبارة التالية : « وكذلك روشن وقع على صاحب العلو، مشرف على نصيب الأخر، فأراد صاحب السفل أن يقطع الروئين، ليس له ذلك إلا أن يشترط قطعه . ففي حال نسمة دار من طابقين بحيث يكون الدور السفلي لشخص والعلوي لأخر، وكان في الدور العلوي روشان يشرف على ( يكشف خصوصيته ) الدور السفلي، فإنه ليس صاحب الدور السفلي الحق في طلب إزالة الروشان من الدور العلوي إلا إذا كان و اشترط ذلك لأن الشرط أملك .

وكذلك الحال بالنسبة لأصل كلمة المشربية . فالشرب والشر، بالفتح والضم هي الغرفة . وفي الحديث : أن النبي صل الله عليه وسلم، كان في مشربة له، أي كان في غرفة، وجمعها مشربات  ومشارب، وقيل هي كالضفة بين يدي الغرفة  . وقيل المشربة في الغرفة العالية  .

فوائد الروشان

  • ضبط درجات الحرارة صيفاً وشتاءً

إن أكبر مسبب لارتفاع درجات الحرارة في الفراغات المعمارية الداخلية هو الكسب الحراري المباشر من أشعة الشمس، وبما أن المشربية سمحت بالفتحات الكبيرة في الجدران فقد أصبح من الممكن لتيار ثابت من الهواء أن يمر عبر فتحاتها إلى داخل الغرف، مما يساعد على تلطيف البيئة الداخلية للمبنى، كما يسمح تصميم القضبان وفتحات المشربية لأشعة الشمس في الشتاء بالدخول الى الفراغ المعماري الداخلي حيث يتم تصميم هذه الفتحات والأخذ بعين الاعتبار زوايا سقوط الشمس شتاءً حيث أنها تكون أقرب إلى الأرض وبالتالي يزيد من درجة الحرارة الهواء شتاء.

  • ضبط تدفق الهواء

توفر المشربية الواضحة فراغات أكبر مما يساعد على تدفق الهواء داخل الغرفة، أما عندما تتطلب اعتبارات الإنارة فتحات ضيقة لتقليل الإبهار، فإن تدفق الهواء ينقص بشكل ملحوظ، لذا يعوض هذا النقص السلبي من خلال فتحات أكبر في الجزء العلوي من المشربية، ومن هنا ظهرت أجزاء المشربية الرئيسية وهي: جزء سفلي يتكون من مشبك ضيق ذي قصبان دقيقة، وجزء علوي يتكون من مشبك عريض ذي قصبان خشبية عريضة اسطوانية الشكل، أما إذا بقيت حسابات تدفق الهواء غير كافية فيمكن فتح الواجهة بأكملها ومن ثم تغطيتها بمشربية واسعة جداً.

  • زيادة نسبة رطوبة تيار الهواء

ويتم من خلال طريقتين: الأولى وضع جرار فخارية ذات مسامية عالية في المشربية، مرور التيار الهوائي فوق هذه الجرار يؤدي الى تبخر كميات من الماء الموجودة على سطحها بالتالي يبرد التيار الهوائي في عملية تسمى بالتبريد التبخيري.

والثانية بسبب المواد المستخدمة في صناعة المشربيات، فالخشب وهو من الالياف العضوية يمتص ويرشح كميات معقولة من الماء بسهولة تامة طالما لم يتم تغطيتها أو دهنها، لذا فإن المشربية تقوم بامتصاص رطوبة الهواء البارد المار فيها ليلاً وعندما تسخن المشربية بفعل ضوء الشمس المباشر نهاراً فإنها تفقد هذه الرطوبة للهواء المتدفق من خلالها نهاراً.

  • توفير الخصوصية

بالإضافة لتأثيراتها الفيزيائية توفر المشربية الخصوصية للسكان مع السماح لهم في الوقت ذاته بالنظر الى الخارج من خلالها وهذا يدعم استخدام المشربية ذات الجزئيين كما يعطي المشربية بعداً نفسياً حيث يشعر الساكن أنه غير مفصول عن الفراغات الخارجية دون فقدان عامل الخلوة.

الروشان بشكل جديد في القرن 21

الروشان في العمارة العربية | Wooden Windows in Arabic Architecture

هناك تحول من مراحل تکوين الروشان فبينما کان شکل الروشان القديم ينبع من استخداماته المتعددة نجد أنه اقتصر شکل الروشان على الشکل العام فقط وبالتالي کان من السهل أن يفقد حتى الشکل قيمته بحيث أصبح بلا معنى لمستخدمه أو للناظر إليه . لكمن في السنوات القليلة الماضية استرجع الروشان قيمته الفنية كلمسة غاية في الجمالية والابداع , حيث اصبح يستخدم بمواد حديثة وعصرية  غيرة التي كان يستعمل منها في الماضي ولعل ابرز التغييرات التي طرأت على الروشان منها :

  • استخدام عنصر الزجاج في الروشان له أهمية کبيرة في تطويره وتطويعه مع المسکن المعاصر فهو أصبح ضروريا لتلافي دخول الغبار والحشرات وللحماية من العوامل المناخية
  • إدخال عنصر الروشان في الصناعة الآلية يقلل من تکاليفها الانشائية الباهظة ويعطي لها معايير في القياس والبناء کأي عنصر آخر للمسکن .
  • تطوير شکل الروشان وتبسيط أشکاله بما يتناسب مع البيئة المحيطة فلم تعد الزخارف الثقيلة في المسکن مرغوبة لدى المجتمع الذي انبهر بالتبسيط

الخاتمة

يعتبر  القرن العشرون هو القرن الذي سيطرت عليه العبثية وفقدان الشخصية التقليدية ، وعزل الأجيال عن تراثها حيث أننا نتكلم عن الرواشين، وهي من التراث، في هذا  البحث أردنا أن نلفت النظر إلى أن من يقولون بأنه لا سبيل للنهوض إلا بالإنسلاخ عن موروثاتنا, حيث ان التاريخ لا يزال  يقف بإطلالته أمام الرواشين التي كانت وما زالت تمثّل أصالة الزمان والمكان للطراز المعماري الحجازي القديم بمدينة جدة عروس البحر الأحمر، وأصبحت إحدى السمات المعمارية البارزة فيها، خاصة في الأحياء القديمة منها التي امتزجت عمارتها بخليط من الثقافات العربية والعثمانية والفارسية .

المراجع

1ـ إسماعيل، محمد موسى ( 1989 م ) نجارة العمارة ـ الجهاز المرکزي للکتب الجامعية، مصر .

2ـ بن حموش، مصطفى (2006 م ) جوهر التمدن الإسلامي(دراسات في فقة العمران ) ـ دار قابس، ط1، بيروت، لبنان .

3ـ بهنسي، عفيف (1987م)العمارة العربية الجمالية والوحدة والتنوع ـ منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط .

4ـ حريري، مجدي محمد (1411هـ ) تصميم الروشان وأهميته للمسکن ـ مجلة جامعة أم القرى، السنة الثالثة، العدد الخامس .

5ـ حمودة، ألفت يحيى الطابع المعماري بين التأصيل والمعاصرة ـ الدار المصرية اللبنانية، القاهرة ـ مصر.

6ـ خليل، ثروت متولي (2000م)المشربيات والرواشين وأثرهما على الفراغ الداخلي ـ مجلة علوم وفنون، جامعة حلوان، القاهرة .

7ـ رأفت، علي ( 1997 م ) الابداع الفني في العمارة ـ  اصدار مرکز أبحاث انتر کونسلت، الجيزة، مصر .

8ـ الزيني، يحيى (1990)حسن فتحي الفکر والتطبيق ـ بحث مقدم لندوة اللقاء الفکري والعلمي عن المعماري الرائد حسن فتحي، کلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان .

9ـ الطياش، خالد بن عبد العزيز (1427هـ) البيت السعودي المعاصر بين الحاجة والمظهر ـ مکتبة الملک فهد الوطنية للنشر، الرياض، ط 1

10ـ    الطياش، خالد بن عبد العزيز (1427هـ) المعاني والقيم الرمزية في العمارة التقليدية والمعاصرة ـ مکتبة الملک فهد الوطنية للنشر، الرياض، ط 1

11ـ    عشي، عبد المسيح يوسف (1999 م ) المعايير التصميمية للأفنية الداخلية في العمارة العربية ـ رسالة دکتوراه، کلية الهندسة، جامعة القاهرة، مصر .

12ـ    المرحم، فريدة محسن عبدالله ( 1421 هـ ) الروشان والشباک وأثرهما على التصميم الداخلي في بيوت مکة التقليدية في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ـ رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، مکة .

13ـ   مغربي، محمد علي (1982م) ملامح الحياة الإجتماعية في الحجاز ـ الکتاب العربي السعودي، ط1، مکتبات تهامة، جدة .

14ـ والي، طارق ( 1992م ) نهج البواطن في عمارة المساکن ـ مطبوعات مرکز الهندسة، البحرين .