تخطى إلى المحتوى
Home » مناقشة معمارية » الثورة المعمارية في مكة المكرمة

الثورة المعمارية في مكة المكرمة

  • بواسطة

الثورة المعمارية نتائجها و اهدافها

ساهم النقد المعماري في تطوير النظرة التخطيطية واللمسة المعمارية و الرقي بها للأمم الناهضة، والتي ارتقى شأنها وزادت قوتها ومظهرها الحضاري،

ومن الملاحظ أن تلك الأمم لم تنهض إلا من خلال تدقيق النظر في جوانب الحياة المتعددة ومعرفة سبل التغيير السليمة.

ولما كانت (مكة المكرمة) التي شرفها الله بحرمه الشريف، واحدةً من أهم المدن الإسلامية والتاريخية على الإطلاق،

ومن ثَمّ فهي قبلة المسلمين الأولى، وبها يؤدي المسلمون مناسكهم (الحج والعمرة)، فإنها شهدت في السنوات الأخيرة تطورًا معماريًا وازدهارًا لم تشهده من قبل،

وخاصة منذ عام (الطفرة المعمارية الثالثة ) وما بعدها، حيث أقيمت فيها المشاريع العملاقة،

وزادت أعداد الغرف الفندقية بصورة غير مسبوقة لتقفز الي ثاني أكبر مدينة ضيافة في العالم نهاية 2018

ولتتصدر مكة المكرمة قطاع أكبر المدن الفندقية حول العالم نهاية 2019 بمتوسط 165 الف غرفة فندقية بمختلف تصنيفتها،

مما جعل مكة المكرمة تنجح في تخطي الطلب والاحتياج الإسكاني للزوار والمعتمرين.

سيتمحور هذا المقال حول نقد الثورة المعمارية في مكة المكرمة.

ضياع الطابع المعماري ابتداء من (2007 – 2015)

لكن السؤال الآن: هل يعد الازدهار الإنشائي الذي حدث في تلك الفترة ناجحًا،

نعني ناجحًا من الناحية المعمارية؟

وهل قدم الحلول المعمارية والواجهات الجيدة التي تترك بصمة معمارية رائدة لمكة المكرمة؟

أغلب الظن لا، لأن هذه المشاريع رغم أهميتها الكبيرة لم تقدم حلولاً معمارية جيدة وسليمة. ونحن في هذا المقال نحاول تقدم نقد للثورة العمارة في مكة المكرمة ابتداءً من (2007) وحتى (2015)،

وهي الفترة التي شهدت تسارع وتيرة البناء، حتى نقف على أبعاد تلك القضية، ونلمس السلبيات كي نتفادها من الناحية التخطيطية مستقبلاً.

يعد انتشار العمران بشكل سريع ومتنامٍ، من الأمور المهمة لتلبية الحاجة الملحة لزوار بيت الله الحرام،

لكن المباني التي تنتشر في مكة المكرمة شاهقةً لا تقدم الحلول الأكثر نجاعة عمرانيًا، وقد حدث هذا ابتداءً من عام (2007) وما بعدها،

ورغم أن العمارة المكية قد شهدت طفرةً كبيرة منذ تلك الفترة، فإن ذلك لم يمثل في الحقيقة نجاحًا ملحوظًا من الناحية الفنية والمعمارية التي ترى أن ما حدث ليس إلا توسعًا غير محسوب أو مخطط له بما يتلاءم مع الطرز البنائية الحديثة التي تعتمد حلولاً مبتكرة.

الطفرة المعمارية وعصر الازدهار المعماري:

ابتداءً فقد شهدت البلاد طفرتين عقاريتين أثرتا في الطراز المعماري والطابع الخاص بكة المكرمة،

الطفرة الأولى 1983م  وفيها انتشر الطابع المعماري الكلاسيكي المعروف حتي الان للمباني القديمة والذي يتميز بالجودة والأناقة و قد درج بين المعماريين و المؤرخين الاكادميين بتسمية تلك الحقبة بحقيبة طفرة البترول ،

حيث لعب النفط دورا اساسيا في حركة عمران المملكة العربية السعودية و تطوير النية التحتية بمكة المكرمة التي هي جزء لا يتجزء من المملكة العربية السعودية،

وعمل على تطوير الطراز لمرحلة ما بعد الحداثة معماريون و مقاولون من بلاد الشام.

أما الطفرة الثانية فقد بدأت من عام (2007 م)، وهي طفرة معمارية كبرى كفيلة بأن تغير وجه مكة المعماري بصورة كبيرة،

بحيث يمكن وصفها بالازدهار الحضاري المعماري في العصر الحديث، ولما كانت التوسعة الخاص بالحرم المكي كبيرة،

فإن ما حول الحرم من مبانٍ قد تمّ تعويض أصحابها لاستكمال التوسيعات، ونظرًا لأن تلك التعويضات كانت تقدر بمبلغ (70 مليار ريال)،

فإن الملاك المنزوعة عقارتهم أخذوا على عاتقهم إنشاء مبانٍ ومشاريع كثيرة وبطرز جديدة مغايرة لما كانوا عليه سابقًا.

ونحن هنا لسنا ضد التوسع والبناء ولكن نوجه نقدنا للحلول التي قدمتها تلك الإنشاءات.

الطفرة المعمارية وعصر الازدهار المعماري - Architectural boom and the era of architectural prosperity

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:

لماذا لم نتحكم بتلك الثروة العمرانية التي تزامنت مع الطفرة المالية؟ ولماذا لم نقدم مخرجات معمارية قوية تساهم في وضع هوية معمارية بارزة للمباني في مكة المكرمة؟ ونبرز فيما يلي أكثر السلبيات في المشاريع المعمارية في مكة المكرمة في الفترة الأخيرة، وهي:

  • فوضى معمارية: (علب كبريتية)

تنتج المباني المتشابهة والمستنسخة من بعضها بعضًا ما يُعرف لدى المعماريين بـ : (العلب الكبريتية) أو (علب الأحذية)، بحيث تماثلت الأشكال المعمارية التي تم إنتاجها،

حيث انحصر التنافس المعماري لكل مبني في طريقة إكساء الواجهات المعمارية فقط.

علمًا بأن أغلب المواد المستخدمة في الواجهات للمباني الفندقية بمكة المكرمة، تعد غير صديقة للبيئة و تساهم في الاحتباس الحراري.

و في الوقت التي تسعي فية مدن مثل نيويورك الي الإستفادة من بعض الأخطاء في المباني الشاهقة في منهاتن وغيرها و تعزيز الأنظمة المعمارية الخاصة بالتصميم المعماري للمشاريع الريادية و حملت علي عاتهقا معالجة حركة الرياح بين المباني ووضع حلول لانظمة معمارية تقلل من إنبعاثات الكربون و معالجة ظاهرة (الشتاء البارد و الصيف الحار) “هذا بعد ان نجحت المدينة في الفوز بمعركة تحديد الهوية المعمارية بإمتياز” التي توصف بها بل انها أصبحت تحقق سنويا أرباحا من جراء بيع المنتجات التي تعتمد علي إظهار الهوية المعمارية لمدينة نيويورك

تنشأ الفوضى المعمارية عمومًا من انعدام الجودة التي يجب أن تعطينا انطباعًا حين نزور مكة المكرمة، فالحاج الخارج من الحرم يجد نفسه مصطدمًا بمبان عالية متشابهة في الارتفاع، لكنها غير متوافقة معماريًا ولا تعبير عن هُوية محددة نريد الوصول اليها ، فقد صُممت بوصفها حلولاً لمساقط معمارية وبرامج مساحية غير ناجعة، بما لا يلامس الروح المعمارية للفرد ولا وجدان المستخدم، فكل مدينة حول العالم تترك لك الإنسان انطباعًا معماريًا خاصًا بها.

فوضى معمارية

السؤال هنا الذي يطرح نفسه: لماذا لم نتحكم بهذه الثروة العمرانية التي تزامنت مع الطفرة المالية، ولماذا لم نقدم مخرجات معمارية قوية تساهم في وضع هوية معمارية بارزة للمباني في مكة المكرمة؟ وذلك بدلاً من انتشار مبان غائمة بلا معالم واضحة وهوية راسخة، مما حوَلها إلى ما يُسمى بـ (العلب الكبريتية)، والتي شوهت المنظر الجمالي في مكة المكرمة.

  • فقدان الجودة المعمارية:

تمثل قيم الجودة والسلامة والاستدامة أهم العوامل المعمارية في العصر الحديث، بما أن الهوية المعمارية في أي مدينة تتشكل وفقًا لطبيعتها الخاصة، وسماتها المميزة، فإن الناظر إلى المشاريع المركزية في مكة المكرمة سيجد أن الإنشاءات الجديدة أصبحت تشكل قيمًا جمالية لا تمت لمكة وأهلها بشيء، لكن تعتبر هذه التشكيلات ماجحة من حيث الوظيفة و الغرض.

وضياع الطابع المعماري الجديد و الخاص بمكة يعد من المشكلات الكبيرة، لأننا بفقدها نفقد الجودة وسبل التحديث المطلوبة، كما نشهد تلوثًا بصريًا وتشويهًا حضاريًا لهويتنا، بما يؤثر على واقعنا المعماري والتاريخي ولا يصب في صالح مستقبلنا الحضاري والمعماري. الخلاصة أنه لم تتم استثمار الأموال في إنشاء طراز معماري يمتلك حلولاً ناجعة، مما نتج عنه بروز سحابة كثيفة من المباني المتلاصقة وخليط من الأشكال والأجناس غير المتوافقة عمرانيًا. وكل هذا يؤدي إلى ضياع صناعة هُوية معمارية جديدة لمكة.

إذن أين الجودة التي يفترض أن تتركها مكة في نفوس زائريها؟ لحسن الحظ ان نسبة كبيرة من الزوار سوف يندهش و يعجب من التمدد العمراني التي تشهده المملكة لكن بغض النظر عن ذلك الانطباع الروحي الذي يشعر به الحاج لبيت الله الحرام، فإنه عندما يخرج الشخص المختص او الناقد سيرى مباني متعددة وكثيفة ومرتفعة مختلفة في شكلها وهويتها المعمارية، وتقل فيها نسبة الإبداع الفني والمعماري، فتتولد لدى الزائر الخبير رغبة حقيقية في النقد المعماري نتيجة هذه الأشكال غير المختلفة. وهنا تكمن المشكلة، وهي ماثلة في ما تم إنشاؤه يعد متطابقًا من حيث الهدف، إذ إن جميع المباني المصممة تعد حلولاً لمساقط معمارية، وحلولاً لبرامج مساحية غير ناجحة ولا تتوافق مع الروح المعمارية للفرد، فمدينة مثل نيويورك أو لوس أنجلوس أو حتى باريس تعطي المرء انطباعًا خاصًا لدى الزائر، وهذا الانطباع المعماري الخاص بتلك المدينة

إن ضياع الهوية المعمارية الحديثة لمكة المكرمة، أدى بدوره بشكل فعال إلى ضياع الطابع المعماري الخاص الذي يمكنه أن يميز مكة عما سواها من مدن، إنها على استعداد لاستيعاب الحداثة المعمارية بكل تقنياتها شريطة أن تبتكر هويتها المعمارية، إذ إن هذا الخيط هو ما الفارق والذي يجب مراعاته، لتقديم بنية معمارية حضارية ناجعة. فالتخطيط هو الدعامة الأساسية التي يقوم عليها أي عمل معماري فني مميز، وله طابعه الخاص، مع الأخذ في الاعتبار أن الأعمال المعمارية هي سلسلة مترابطة وبناء فني وهندسي ولا بد له أن يقدم الحلول الأكثر فائدة لخدمة الناس.

  • التلوث البصري وغابات الإسمنت الكثيفة: التوسع الرأسي

تشكل الكثافات الإسمنتية غير المنتظمة والمنتشرة في المباني المعمارية بمكة المكرمة، حالةً من التشوش البصري، يحسه كل معماري متقن، وقد يلمسه بشكل طفيف الإنسان العادي، وربما لا يلمسه بعض الناس نظرًا لعدم امتلاكهم رؤية معمارية تضاهي رؤية المتخصصين. إن ذلك التلوث البصري يسبب أزمة جمالية، تنعكس مستقبلاً على ضياع القيم الجمالية المعمارية.

  • عدم وجود كود معماري خاص: الرؤية التخطيطية

يجب أن يوجد معيار معماري و هندسي خاص بمكة المكرمة، مثل كل مدينة حول العالم، لأن الكود المعماري يضمن سلامة المنشآت واستدامتها، ويعرف الكود بأنه: مجموعة من المبادئ والاشتراطات واللوائح وطرق التصنيع والتنفيذ العامة، والتي تضمن وجود الحد الأدنى من معايير الجودة والسلامة، كما أنها تعتبر مرجعًا للقياس والمعيارية والتحكيم.

عدم وجود كود معماري خاص

ونظرًا لأهمية هذا الكود فإنه يعد اليوم الأساس المتين لإنشاء المدن وفق أساليب حديثة تضمن جودتها المعمارية وأداءها المستديم، فإن اعتماد كود خاص بمكة المكرمة يعد ضروريًا ومهمًا كونها تتصدر العالم في عدد الغرف الفندقية حسب ما اشارت اليه منظمة “توب هوتيل بروجكتس”.

من ضمن الملاحظات الهامة التي قمنا بإكتشافها من خلال الممارسة ، اختلاف انظمة المصاعد و صينتها مما يؤثر بالسلب علي معدلات السلامة و ارهاق للجهات المعنية و تعدد متطلبات الاخلاء و الانقاذ لكل مبني اثناء عمليات الابلاغ و الاحتجاز حيث يفترض توحيد المقاييس الخاصة بالتوريد و التركيب لكل المصاعد في المدينة للتسهيل علي فرق الانقاذ و الاخلاء بدلا من تشكيل و ذلك من متطلبات انشاء كود خاص

تصفح أيضاً: مول السعود بلازا في مكة المكرمة

  • المقترحات:

إذن ما الحلول المقترحة لخلق التفرد المعماري والروح المعمارية لمكة المكرمة، والمحافظة على طابعها المعماري الخاص، دون إغفال زيادة العمران وتطويره؟ ونحن نقترح بعض النقاط هنا:

  • وجود كود معماري خاص بمكة المكرمة، يضمن التخطيط السليم والممنهج.
  • زيادة الكفاءات المعمارية المقدِمة للخدمات المعمارية في مكة، ودعمهم بكوادر هندسية متميزة.
  • تقديم محفزات من إدارات الرخص للمشاريع المميزة معماريًا ، تساهم في تشجيع الملاك لإنشاء مشاريع مميزة معماريا.
  • توجيه اهتمام الملاك والمقاولين بتنفيذ المخرجات المعمارية كاملة، بحيث لا يتم الاهتمام بالواجهات فقط وإهمال ما سواها.
  • تطبيق شروط على أصحاب العقارات ومدهم بخطط معمارية ورسومات هندسية إرشادية للعمل وفقًا لها مستقبلاً ، بحيث يكون التعاون بين مصمم خاص بالرخصة و معماري خاص بالهوية المعمارية للمشروع.
  • اعتماد تقنيات الأبعاد الثلاثية في الإنشاء.
  • الاهتمام بسلامة المنشآت المعمارية وفق شروط الاستدامة.
  • لعل المبادرة التي اقترحتها وزارة الثقافة في انشاء هيئة للتصميم و العمارة سوف تشكل حلا مميزا لظاهرة جودة المخرجات المعمارية
  • الاستفادة من تجارب امانة جدة في تطوير نظام المباني المرتفعة

قدمنا لكم مقالنا حول نقد الثورة المعمارية في مكة المكرمة ، لتبقوا مطلعين على كل جديد تابعونا على تويتر